طرق الإقناع كيف تقنع وتؤثر على الآخرين

لاحظ أرسطو أن فن الخطابة أو فن الإقناع كما يطلق عليه البعض، احتلا دورا مهما في المجتمع اليوناني، فقد شكلا وسيلة مهمة و أساسية للاتصال و التواصل.
تمكن هذا الفن من اثارة انتباه فيلسوفنا العظيم، فبدأ أبحاثه التي انتهت بتأليف كتاب بعنوان الخطابة، والذي استنتج فيه أن هذا الفن يعتمد على ثلاث مبادئ أساسية، وهي : ethos - pathos - logos.
- Ethos : و تعني قيمة المتكلم و أخلاقه إضافة إلى مصداقيته.
- Pathos : و تعني تحريك مشاعر الطرف الآخر.
- Logos : و تعني الدلائل والبراهين والحقائق.
و الآن قبل أن ننتقل إلى شرح طرق الإقناع سنقدم لكم تعريف بسيط لفن الاقناع، و لماذا نحتاج لإتقان هذه المهارة الأساسية ؟ كما سنتطرق ايضا لبعض الأسباب التي تحبط محاولاتنا في الإقناع .
فهذا سيمهد لنا الطريق للوصول إلى المحور الأساسي، نتمنى لكم قراءة ممتعة.
تعريف الإقناع ، لماذا نحتاج مهارة الإقناع؟ و لماذا نفشل في الإقناع؟

فن الاقناع هو القدرة على تغيير وجهات نظر الآخرين، قناعاتهم أو حتى سلوكياتهم، وذلك عن طريق مخاطبتهم باستخدام أساليب معينة بهدف استمالتهم للتأثير عليهم و تحقيق مكاسب ذاتية.
نعلم أن الحياة عبارة عن مفاوضات مع الآخرين، لذا يمكن الإقرار أن كل شخص منا يستخدم هذه القدرة، إلا أن الفرق يكمن في مدى إتقان استعمالها، و من هنا يمكن اعتبارها أساس من أسس السيطرة و النفوذ.
نحن بحاجة إلى إتقان فن الاقناع، لما له من نتائج من وقعها أن تغير حياتنا للأفضل، فإذا كنت مسوقا تعمل في مجال المبيعات أو في مجال آخر يقوم على التفاوض مع الآخر، فهذه القدرة ستضمن لك تحقيق النجاح و الغنى، و كسب رضى المدير و أيضا الزبائن.
كما ستمكنك من تسيير زملائك في العمل، أما في حياتك الشخصية فستسهل معاملاتك مع محيطك، و تحسن علاقاتك مع الناس، سواء كانوا أسرتك، أصدقاءك، أو حتى معارفك.
الافتقار لقدرة الاقناع والتأثير على الآخرين، قد يؤدي بالشخص في بعض الأحيان لاستعمال طرق مغلوطة لتغيير وجهات نظر الآخرين واستمالتهم لتحقيق هدف شخصي، بعض من هذه الطرق:
- التسلط و الابتزاز للحصول على منفعة شخصية.
- تكرار الكلام أو الإلحاح المبالغ فيه.
- الارتباك أثناء الكلام و انعدام الثقة بالنفس.
- كثرة الكلام دون إعطاء فرصة للطرف الآخر من أجل التحدث والتعبير.
- الحماس أو الثقة المبالغ فيهما.
طرق وتكتيكات مفيدة لإقناع أي شخص بأي شيء

من أجل إقناع الطرف الآخر وجب عليك فهم الاختلاف بين ما تريد قوله و ما يحتاج الطرف الآخر إلى سماعه، سأعطيك مثالا لتفهم أكثر. كان هناك صياد يحب أن يصطحب معه التوت أثناء الصيد ليستمتع بلذته أثناء الصيد، مرة قال لما لا أقدم للسمك التوت الذي أحبه بدل الطعم و أباشر الصيد.
ما النتيجة في نظرك؟ نعم، لم يصطد شيئا، و لما قدم للسمك الطعم الذي هو عبارة عن ديدان تمكن من صيد الكثير، المستفاد هو أنه إذا أردت شيء قدم الطعم و ليس التوت.
قرر دكتور استئجار قاعة فندق من أجل دورته، لكن في آخر دقيقة تواصل معه الفندق ليخبره أن السعر قد تضاعف، انصدم الدكتور من الخبر لأنه لم يكن لديه ثمن الزيادة، فكر و فكر ثم طلب لقاء مدير الفندق.
لما دخل إلى مكتبه، قال : لقد صدمني حقا مضاعفتكم لثمن القاعة، و لكن أعطيكم الحق لأنكم أيضا مطالبين بأرباح محددة سنويا، و أنا أتفهم ذلك، المشكل أنني لا أملك القدرة لتحمل هذه الزيادة، و بالتالي ستخسرون عميلا وفيا و مصدر ربح أكيد، سيقدم في فندقكم دورات على مر السنة.
إضافة إلى أن الدورات التي أقيمها يحضر لها أناس من مختلف الطبقات الاجتماعية (مهندسين، رجال أعمال، و أساتذة...) ، فإذا قمت بتدريبهم هنا، ستعتبر دعاية مجانية لصالح الفندق، لذلك أرجو منك مراجعة قرار الزيادة من فضلك.
بعد يوم واحد تواصل المدير شخصيا مع الدكتور، ليخبره أنه ألغى الزيادة، بل و سيأجره القاعة بنصف الثمن الأصلي.
عزيزي القارئ لاحظ ماذا حصل، أثناء مناقشة الدكتور مع المدير، لم يتطرق الدكتور إلى مصالحه الشخصية، بل قدم للمدير ما سيحضى به من مصالح إذا قبل طلبه.
في علم النفس يصعب الرد بلا مرتين متتابعتين، لأن ذلك من شأنه أن يشعر الشخص بالذنب، و هذه طريقة فعالة ليقبل الطرف الآخر طلبك.
يقول جراح أنه أتعبه العمل و أراد إجازة، فذهب إلى مدير المصحة و أخبره أن الراتب غير كافي و طلب زيادة، فاعتذر المدير و عبر عن عدم قدرته على طلب قبول الجراح، ثم غير الجراح طلبه و أخبره إذا لم يقبل على الأقل أن يمنحه إجازة ليستريح، فقبل طلبه دون تردد.
لاحظ معي لو أن الجراح منذ اللحظة الأولى طلب إجازة، لكان احتمال رفض المدير لطلبه كبير و ووارد، لكن عندما طلب شيئا أكبر، ثم طلب طلب أقل من الأول، سيصعب على المدير الرفض مجددا، لهذا فهذه تعتبر طريقة فعالة ومجدية للنفع في الكثير من الحالات لإقناع الطرف الآخر بما نريده و نبغاه.
عرض أفكارك بطريقة مثيرة للاهتمام و غير مملة من شأنه أن يجعلك تحصل على مبتغاك من الطرف الآخر، و سنقدم لك مثالا حقيقيا لذلك.
يقول أب أنه كان يعاني مع ابنه الذي كان يرفض الذهاب للروضة، فخطرت له فكرة ليقنع ابنه بالذهاب بل و أكثر من ذلك أن يجعله يحب الروضة، فقام هو الأم بجمع ألعاب مماثلة التي توجد في الروضة، و بدءا يلعبان معا أمام الطفل.
فأثار هذا المنظر انتباهه، ثم طلب مشاركتهما اللعب، فأخبره الأب أنه لن يتمكن من مشاركتهما اللعب، لكن اذا ذهب للنوم و استيقظ باكرا، وذهب للروضة، فسيتمكن من مشاركة الأطفال اللعب بنفس الطريقة، فركض الطفل إلى غرفته، و استيقظ مبكرا و كله حماس للذهاب للروضة ليحظى بنفس الألعاب.
المستفاد هنا هو أنه لو استعمل الأب أسلوبا مملا أو عنيفا لاقناع الطفل، لما حصل على نتيجة، لكن عندما استعمل اسلوبا مبتكرا و مثير للانتباه نجح في عملية الاقناع، و هذا ما نريد.
هذا الأسلوب من بين الأساليب التي تستعملها عزيزي القارئ في حياتك اليومية، ربما دون أن تحس بذلك، فمثلا، إذا عزمك شخص على عيد ميلاده أو عرسه...
فأنت بدورك تعزمه إذا كانت لديك مناسبة ما، و أيضا إذا تلقيت هدية عيد ميلاد من شخص، فأنت أيضا سترد الهدية في عيد ميلاده.
المقصود هنا أن تقديم خدمة إلى شخص من شأنها أن تجعله يحس بالمسؤولية ليرد لك الخدمة أو الجميل أيضا.
فهناك تجربة قاموا بها في مطعم، أحضروا فيها نادلين، الأول يعطي الطلبية فقط، والثاني يعطي الطلبية و يضيف قطعة شوكولاتة للزبون مع ابتسامة، انتهت التجربة بكون النادل الثاني حصل على إكرامية مضاعفة خمس مرات من إكرامية العامل الأول.
هنا نستفيد أنه لما قام النادل بتقديم خدمة اضافية للزبون، حصل دون أن يطلب على ما يريد و دون حتى أن يبذل جهدا لإقناع الزبون بذلك.
من أجل إقناع الطرف الآخر و التأثير عليه، أثبتت الدراسات أنه لا بد من اختيار المكان و الوقت المناسب.
فلقد قاموا بتجارب و وجدوا أنه إذا تقدم شاب لحبيبته أمام متجر ورد، زاد ذلك نسبة 85% أنها ستوافق على طلبه، و ذلك لأن الورد من شأنه أن يؤثر على المشاعر العاطفية للفتاة.
في حين لما غيروا المكان بمكان غير مناسب كمخبزة أو محل أحذية… زاد ذلك من نسبة رفض الفتاة ب 10%، من هنا تظهر أهمية المكان في عملية الإقناع.
أيضا يجب مراعاة الوقت المناسب ففي علم النفس وجدوا مثلا أن الشخص المرهق و المتعب سيصعب عليه رفض طلبك، فمثلا إذا أردت من المدير خدمة ما، فمن الأفضل أن تذهب إليه في آخر الدوام، لأنه سيكون في حالة لا تسمح له بالتفكير كثيرا، و بالتالي احتمال أن يقبل ما ستطلب سيكون كبيرا.
- الإستماع الجيد و حسن الإصغاء و التركيز و عدم مقاطعة الطرف الآخر حين يعبر عن أفكاره.
- عندما تطلب من شخص شيئا ما استعمل اسمه و عينيك قبال عينيه.
- ثق بنفسك و ابتسم فهذا يجعل الطرف الآخر مرتاحا معك.
- لتكن نبرة صوتك مسموعة، و صوتك هادئ، تجنب الأمر بل اطلب من الطرف الآخر.
- اهتم بمظهرك، فالناس تعير اهتماما بالمظاهر.
- اجمع أفكارا عن الطرف الآخر و أعد صياغتها بأسلوب آخر لإقناعه و التأثير عليه.
تعليقات
إرسال تعليق